فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

{والذين هَادُواْ} معطوف، وكذا {والصابئون} معطوف على المضمر في {هَادُوا} في قول الكسائي والأخفش.
قال النحاس: سمعت الزجاج يقول وقد ذكر له قول الأخفش والكسائي: هذا خطأ من جهتين؛ إحداهما أن المضمر المرفوع يقبح العطف عليه حتى يؤكَّد.
والجهة الأُخرى أن المعطوف شريك المعطوف عليه فيصير المعنى أن الصابئين قد دخلوا في اليهودية وهذا محال.
وقال الفرّاء: إنما جاز الرفع في {وَالصَّابِئُونَ} لأن «إنّ» ضعيفة فلا تؤثر إلا في الاسم دون الخبر؛ و{الَّذِين} هنا لا يتبيّن فيه الإعراب فجرى على جهة واحدة الأمران، فجاز رفع الصابئين رجوعًا إلى أصل الكلام.
قال الزّجاج: وسبيل ما يتبيّن فيه الإعراب وما لا يتبيّن فيه الإعراب واحد.
وقال الخليل وسيبويه: الرفع محمول على التقديم والتأخير؛ والتقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والصابئون والنصارى كذلك.
وأنشد سيبويه وهو نظيره:
وإلاّ فاعلموا أَنَّا وأنتم ** بُغَاةٌ ما بَقِيْنَا في شِقَاقِ

وقال ضَابِىء البُرْجُمي:
فمن يكُ أمسى بالمدينةِ رَحْلُه ** فإنّى وَقَيَّارٌ بِها لَغَريبُ

وقيل: «إنّ» بمعنى «نَعَم» فالصابئون مرتفع بالإبتداء، وحذف الخبر لدلالة الثاني عليه، فالعطف يكون على هذا التقدير بعد تمام الكلام وانقضاء الاسم والخبر.
وقال قيس الرقيات:
بَكرَ العواذِلُ في الصَّبا ** حِ يَلُمْنَني وأَلُومُهُنَّهْ

ويَقُلْنَ شَيْبٌ قد عَلاَ ** كَ وقد كبِرت فقلت إنّهْ

قال الأخفش: «إنَّه» بمعنى «نَعَم»، وهذه «الهاء» أدخلت للسكت. اهـ.

.قال النسفي:

{إنَّ الّذين آمَنُوا} بألسنتهم وهم المنافقون ودل عليه قوله: {ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم} [آل عمران: 76] {والّذين هادوا والصّبئون والنّصارى} قال سيبويه وجميع البصريين: ارتفع {الصابئون} بالابتداء وخبره محذوف والنية به التأخير عما في حيز «إن» من اسمها وخبرها كأنه قيل: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى {من آمن باللّهِ واليومِ الآخر وعمل صالحًا فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} والصابئون كذلك أي من آمن بالله واليوم الآخر فلا خوف عليهم فقدم وحذف الخبر كقوله:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ** فإني وقيار بها لغريب

أي فإني لغريب وقيار كذلك، ودل اللام على أنه خبر «إن» ولا يرتفع بالعطف على محل «إن» واسمها لأن ذا لا يصح قبل الفراغ من الخبر.
لا تقول «إن زيدًا وعمرو منطلقان» وإنما يجوز «إن زيدًا منطلق وعمرو»، والصابئون مع خبره المحذوف جملة معطوفة على جملة قوله: {إن الذين آمنوا} إلى آخره، ولا محل لها كما لا محل للتي عطفت عليها.
وفائدة التقديم التنبيه على أن الصابئين وهم أبين هؤلاء المعدودين ضلالًا وأشدهم غيًا يتاب عليهم إن صح منهم الإيمان فما الظن بغيرهم! ومحل {من آمن} الرفع على الابتداء وخبره {فلا خوف عليهم} والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط.
ثم الجملة كما هي خبر «إن» والراجح إلى اسم «إن» محذوف تقديره: من آمن منهم. اهـ.

.قال أبو السعود:

وقوله تعالى: {والصابئون} رفع على الابتداء وخبرُه محذوف والنيةُ به التأخرُ عما في حيّز إنّ والتقدير إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمُهم كيتَ وكيتَ والصابئون كذلك كقوله:
فإني وقيارٌ بها لغريبُ

وقوله:
وإلا فاعلموا أَنّا وأنتم ** بُغاةٌ ما بقِينا في شقاق

خلا أنه وسَطٌ بين اسْمِ إن وخبرِها دلالةً على أن الصابئين مع ظهور ضلالهم وزيغهم عن الأديان كلِّها حيث قُبلت توبتُهم إن صحَّ منهم الإيمانُ والعملُ الصالح، فغيرُهم أولى بذلك، وقيل: الجملة الآتية خبرٌ للمبتدأ المذكور، وخبرُ إن مقدر كما في قوله:
نحن بما عندنا وأنت بما ** عندك راضٍ والرأْيُ مختلِفُ

وقيل: {النصارى} مرفوعٌ على الابتداء كقوله تعالى: {والصابئون}، عطفًا عليه وهو مع خبره عطفٌ على الجملة المصدَّرة بإن ولا مَساغَ لعطفه وحده على محل إن واسمها لاشتراط ذلك بالفراغ عن الخبر وإلا لارتفع الخبر بإن والابتداء معًا، واعتُذر عنه بأن ذلك إذا كان المذكورُ خبرًا لهما، وأما إذا كان خبرُ المعطوف محذوفًا فلا محذورَ فيه ولا على الضمير في هادوا لعدم التأكيد والفصل، ولاستلزامه كونَ الصابئين هُودًا، وقرئ {والصابيون} بياء صريحةٍ بتخفيف الهمزة. اهـ.

.قال الفخر:

قال بعض النحويين: لا شك أن كلمة «إن» من العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر، وكون المبتدأ مبتدأ والخبر خبرًا وصف حقيقي ثابت حال دخول هذا الحرف وقبله، وكونه مبتدأ يقتضي الرفع.
إذا ثبت هذا فنقول: المعطوف على اسم «إن» يجوز انتصابه بناء على إعمال هذا الحرف، ويجوز ارتفاعه أيضًا لكونه في الحقيقة مبتدأ محدثًا عنه ومخبرًا عنه.
طعن صاحب الكشاف فيه وقال: إنما يجوز ارتفاعه على العطف على محل «إن واسمها» بعد ذكر الخبر، تقول: إن زيدًا منطلق وعمرًا وعمرو بالنصب على اللفظ، والرفع على موضع «إن» واسمها، لأن الخبر قد تقدم، وأما قبل ذلك الخبر فهو غير جائز، لأنا لو رفعناه على محل «إن واسمها» لكان العامل في خبرهما هو المبتدأ، ولو كان كذلك لكان العامل في خبرهما هو الابتداء، لأن الابتداء هو المؤثر في المبتدأ والخبر معًا، وحينئذٍ يلزم في الخبر المتأخر أن يكون مرفوعًا بحرف «إن» وبمعنى الاتبداء فيجتمع على المرفوع الواحد رافعان مختلفان، وأنه محال.
واعلم أن هذا الكلام ضعيف، وبيانه من وجوه: الأول: أن هذه الأشياء التي يسميها النحويون: رافعة وناصبة ليس معناها أنها كذلك لذواتها أو لأعيانها، فإن هذا لا يقوله عاقل، بل المراد أنها معرفات بحسب الوضع والاصطلاح لهذه الحركات، واجتماع المعرفات الكثيرة على الشيء الواحد غير محال، ألا ترى أن جميع أجزاء المحدثات دالة على وجود الله تعالى.
والوجه الثاني: في ضعف هذا الجواب أنه بناه على أن كلمة «أن» مؤثرة في نصب الاسم ورفع الخبر، والكوفيون ينكرون ذلك ويقولون: لا تأثير لهذا الحرف في رفع الخبر ألبتة، وقد أحكمنا هذه المسألة في سورة البقرة.
والوجه الثالث: وهو أن الأشياء الكثيرة إذا عطف بعضها على البعض فالخبر الواحد لا يكون خبرًا عنها، لأن الخبر عن الشيء عبارة عن تعريف حاله وبيان صفته، ومن المحال أن يكون حال الشيء وصفته عين حال الآخر وصفته، لامتناع قيام الصفة الواحدة بالذوات المختلفة.
وإذا ثبت هذا ظهر أن الخبر وإن كان في اللفظ واحدًا إلا أنه في التقدير متعدد، وهو لا محالة موجود بحسب التقدير والنية، وإذا حصل التعدد في الحقيقة لم يمتنع كون البعض مرتفعًا بالحرف والبعض بالابتداء، وبهذا التقدير لم يلزم اجتماع الرافعين على مرفوع واحد.
والذي يحقق ذلك أنه سلم أن بعد ذكر الاسم وخبره جاز الرفع والنصب في المعطوف عليه، ولا شك أن هذا المعطوف إنما جاز ذلك فيه لأنا نضمر له خبرًا، وحكمنا بأن ذلك الخبر المضمر مرتفع بالاتبداء.
وإذا ثبت هذا فنقول: إن قبل ذكر الخبر إذا عطفنا اسمًا على حكم اسم صريح العقل أنه لابد من الحكم بتقدير الخبر، وذلك إنما يحصل بإضمار الأخبار الكثيرة، وعلى هذا التقدير يسقط ما ذكر من الالتزام والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
إنه تعالى لما بيّن أن أهل الكتاب ليسوا على شيء ما لم يؤمنوا، بين أن هذا الحكم عام في الكل، وأنه لا يحصل لأحد فضيلة ولا منقبة إلا إذا آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا، وذلك لأن الإنسان له قوتان: القوة النظرية، والقوة العملية، أما كمال القوة النظرية فليس إلا بأن يعرف الحق، وأما كمال القوة العملية فليس إلا بأن يعمل الخير، وأعظم المعارف شرفًا معرفة أشرف الموجودات وهو الله سبحانه وتعالى، وكمال معرفته إنما يحصل بكونه قادرًا على الحشر والنشر، فلا جرم كان أفضل المعارف هو الإيمان بالله واليوم الآخر، وأفضل الخيرات في الأعمال أمران: المواظبة على الأعمال المشعرة بتعظيم المعبود، والسعي في إيصال النفع إلى الخلق كما قال عليه الصلاة والسلام: «التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله» ثم بيّن تعالى أن كل من أتى بهذا الإيمان وبهذا العمل فإنه يرد القيامة من غير خوف ولا حزن.
والفائدة في ذكرهما أن الخوف يتعلق بالمستقبل، والحزن بالماضي، فقال: {لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} بسبب ما يشاهدون من أهوال القيامة {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} بسبب ما فاتهم من طيبات الدنيا لأنهم وجدوا أمورًا أعظم وأشرف وأطيب مما كانت لهم حاصلة في الدنيا، ومن كان كذلك فإنه لا يحزن بسبب طيبات الدنيا.
فإن قيل: كيف يمكن خلو المكلف الذي لا يكون معصومًا عن أهوال القيامة؟
والجواب من وجهين: الأول: أنه تعالى شرط ذلك بالعمل الصالح، ولا يكون آتيًا بالعمل الصالح إلا إذا كان تاركًا لجميع المعاصي، والثاني: أنه إن حصل خوف فذلك عارض قليل لا يعتد به. اهـ.

.قال محمد أبي زهرة:

قال رحمه الله:
فى الآيات السابقة أشار سبحانه إلى استعلاء اليهود والنصارى لأنهم أهل كتاب جاءت إليهم الرسل بالتعليم والتوجيه فبين سبحانه وتعالى أن الاستعلاء بالإذعان، واتباع ما جاء إليهم والإيمان به، وفى هذه الآية يبين سبحانه وتعالى أن الناس جميعا في النجاة سواء، لا فرق بين يهودى ونصرانى، وعبدة للكواكب، فالإيمان يجب ما قبله، ويسوى بين المؤمنين: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى} يبين سبحانه أن أساس النجاة وذريعة الثواب، ومنع العقاب الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح واستشعار خشية الله واتقاء عذابه، وإطاعة ما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر. ولا ينظر في ذلك إلى سابق ما كانوا يتدينون، ولا إلى ما كانوا ينتحلون من نحل، فكما أنه لا تفرقة أمام الله تعالى بالجنسية لا تفرقة أيضا بالنحلة والملة إذا كانوا ينتهون إلى الإيمان بالله واليوم الآخر، ولذلك أكد سبحانه وتعالى أن الذين آمنوا بما جاء به محمد، والذين هادوا أى اليهود، والصابئين والنصارى، من كان منهم يؤمن بالله واليوم الآخر ويعملون صالحا، لا خوف عليهم من عقاب ولا مؤاخذة عليهم فيما فرط من ذنوب إذ الإيمان يجب ما قبله، ويمحو ما سبقه مما ارتكبوا، فهذا النص الكريم كما يفيد التسوية بين النحل السابقة إن استقاموا على الجادة، والتقوا عند منجاة الإيمان يفتح أيضا باب الرجاء، ويقرب التوبة. وهنا أصناف أربعة هم الذين امنوا، واليهود، والصابئون، والنصارى.